الصوفية فى رحلة «الحج الأصغر» إلى ضريح «الشاذلى»
كتب : محمد كامل:
تصوير : عمر الزهيرى:
منذ 31 دقيقة
ضريح الشيخ أبو الحسن الشاذلي
أنهى عشرات الآلاف من محافظات مصر، والدول العربية والإسلامية،
«حجهم الأصغر» إلى ضريح مولد أبى الحسن الشاذلى بجبل «حميثرة» بالبحر
الأحمر، أمس الأول، تزامنا مع وقفة عرفات وليلة عيد الأضحى، بحضور عدد من
شيوخ الطرق الصوفية ومريديهم، على رأسهم الدكتور محمد طاهر القادرى الداعية
الباكستانى الشهير ومؤسس منظمة منهاج القرآن العالمية والعشرات من أتباعه
وتلاميذه.
<blockquote>100 ألف رأس تذبح فى المولد.. والسيول تتسبب فى وفاة مواطن وإصابة 11 وتهديد حياة 40 زائراً.. والداخلية تحميهم بـ200 ضابط وفرد شرطة </blockquote>
وشهد اليوم الثانى من أيام المولد أمطارا أدت إلى سيول شديدة بلغ
ارتفاعها نحو متر ونصف المتر، مما أدى إلى قطع الطريق إلى قرية الشاذلى،
وغرق الأسواق وخسارة الباعة الجائلين معظم بضائعهم.
زفة مريدي الطريقة الشاذلية
ومقام «الشاذلى»، من الرخام وعليه رداء أخضر، ويحيطه بناء معدنى مطلى بالذهب ويعلوه قبة عليها آيات قرآنية عن فضل أولياء الله.
تبدأ فعاليات المولد بقدوم مريدى الطرق الصوفية ومحبى الشاذلى من
شتى المحافظات خصوصاً الصعيد، ومن عدة دول عربية وإسلامية، ويأتون بسيارات
نصف نقل ومعهم مئات رؤوس الماشية لذبحها أثناء المولد حاملين معهم طعامهم
ومياها للشرب.
يوجد فى مقر قرية الشاذلى وحول ضريحه نحو مائة ساحة من ساحات الطرق
الصوفية والأشراف، لخدمة مريدى الشاذلى ومحبيه، ويحرص الزوار على صعود
حميثرة رغم صعوبة صعود الجبل ومخاطره، ويمكث بعض المتصوفة فى خلوات بجوار
خلوة الشاذلى فوق الجبل للتبرك.
ومن الشعائر التى ينفذها مريدو ومحبو الشيخ فى مولده إضافة إلى
زيارة ضريحه صعود جبل حميثرة فى يوم عرفة تزامنا مع وقفة الحجيج، حيث كان
يصعد الشاذلى للاختلاء والتعبد، ويشكلون شكلا هرميا من الأحجار على قمته
على أمل العودة مرة أخرى.
يقضى زوار الشاذلى يومهم بعد الصلاة فى صعود حميثرة، ثم حلقات الذكر الليلية وقضاء الوقت فى ضريح الشيخ للصلاة والدعاء.
وتنظم كل طريقة صوفية موكبا يجوب القرية ويدور حول الجبل وينتهى عند
مقام الشاذلى، ومن أشهر هذه المواكب موكب الطريقة الشاذلية التى تعد محملا
كبيرا يركبه شيخ الطريقة وحوله أتباعه ثم ينتهون بعد الطواف بحميثرة إلى
مقام الشيخ، ثم تبدأ حلقات الذكر والمدح النبوى.
<blockquote>«الشاذلى».. ولد بتونس عام 539 هـ واشترك مع العز بن عبدالسلام فى حرب الصليبيين.. وكان يحض الجنود على الجهاد وهو ضرير </blockquote>
وينحر الزائرون ما يزيد على 100 ألف رأس ماشية، إلا أنهم يواجهون عددا
من الصعاب أهمها عدم توفر المياه الصالحة للشرب، وعدم توفر الكهرباء،
والمشكلة الأكبر هى عدم توفر الاتصالات سواء الأرضية أو المحمول.
وأكد محمد حسن، أحد زوار المولد، من محافظة سوهاج، أنه يأتى كل عام
إلى حميثرة ويصعد الجبل ويختلى نحو 10 أيام تبدأ مع المولد وتنتهى بعد
العيد، لا ينزل من الجبل ويتفرغ للتعبدوالتأمل اقتداءً بأبى الحسن الشاذلى.
وقال الشيخ فريد شوقى محمود، شيخ الطريقة البرهامية الدسوقية وأحد
أصحاب الساحات، إن «نحو مليونين من محبى الشيخ ومريديه من الطرق الصوفية فى
مصر والدول العربية والإسلامية وعدد من الدول الأجنبية، يتوافدون سنوياً
لزيارة الشاذلى والاحتفال بمولده».
وأضاف أن طريقة الشاذلى الصوفية هى الطريقة الأساسية للتصوف فى مصر
والعالم الإسلامى، وتفرعت لأكثر من 100 طريقة، يوفر فيها أصحاب الساحات
الطعام والمأوى لزوار الشيخ.
وأشار محمود إلى أنه يأتى سنويا منذ 30 عاما إلى مولد الشاذلى قبل
توفير طريق مسفلت ومعبَّد بجهود الحاجة زكية التى ناشدت المحافظ حتى عبّد
الطريق إلى قرية الشاذلى وتوفيت هناك ودفنت فى ضريح بجوار الشاذلى.
وقالت أم هاشم، خبيرة تجميل سابقة، وإحدى شيخات الطريقة الدسوقية
الشاذلية، إنها تأتى كل عام لزيارة الشاذلى، ووصفت الزيارة وصعود جبل
حميثرة بأنه «حجة صغرى»، لكنها لا تغنى عن الحج إلى بيت الله الحرام،
وأشارت إلى أن المريد الحقيقى يستطيع أن يشاهد أنوار مكة من قمة الجبل.
وأوضح الشيخ فتحى سعيد، أحد أصحاب الساحات، من الأشراف الأدارسة،
عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، أن الشاذلى ولد بتونس عام 539 هجريا، وكان
محبا للعلم، ورحل من بلده إلى مدينة شاذلة التى تلقى بها العلم، ورحل إلى
بغداد لتلقى العلم والتقى بالشيخ أبى الفتح الواسطى، وتتلمذ على يد الشيخ
عبدالسلام بن مشيش، الذى يعد فى منزلة الشافعى فى علمه.
وأضاف أن الشاذلى اشترك مع العز بن عبدالسلام فى حرب الصليبيين فى
معركة المنصورة التى أسر فيها لويس التاسع ملك فرنسا، وكان الشيخ يبلغ
وقتها من العمر 60 عاما وأصيب بالعمى، وحارب وحض الجنود على الحرب والجهاد
وهو ضرير.
المريدون يتبركون بالبناء المعدني المذهب داخل الضريح
وتابع: «رحل الشاذلى إلى ميناء عيذاب لأداء فريضة الحج ووافته المنية
عند جبل حميثرة حيث مقامه وقريته الحالية، ودفنه تلميذه وصديقه المرسى
أبوالعباس صاحب الجامع الشهير بالإسكندرية»، وأوضح أن حميثرة أصبح قبلة
الصوفيين من جميع بقاع العالم من وقتها، حتى إن الرحّالة الشهير ابن جبير
زار المكان ووصفه فى كتبه.
وعن خسارة الباعة الجائلين لبضاعتهم وأموالهم فى السيل، قال مصطفى
عبدالمالك أحد تجار الجملة فى المولد، إنه خسر نحو 300 ألف جنيه، وأشار إلى
أنه كان ينتظر هذا المولد كل عام لأنه يوفر دخلا جيدا له.
وأضاف أن المسئولين لم يعوضوا الباعة الجائلين عن خسارتهم مما مثل خرابا كبيرا لهم.
ورداً على ذلك، قال كمال أبوالصفا، سكرتير الوحدة المحلية لقرية
الشاذلى، إن الباعة الجائلين ليسوا من أهالى القرية أو من البحر الأحمر،
والوحدة المحلية وفرت لهم أسواقا لعرض بضاعتهم روعى فى اختيارها البعد عن
أماكن السيول لكنهم رفضوا الذهاب إليها بحجة بعدها عن مقام الشاذلى.
وأضاف أن الوحدة المحلية بالقرية توفر الكهرباء بالمجان لمريدى
الشاذلى ولسكان القرية نظرا لظروفهم المادية الضعيفة، كما تعمل جاهدة على
توفير المياه يوميا عن طريق 3 عربات سعة الواحدة 1500 لتر مياه، وأوضح أن
السيول التى استمرت نحو 12 ساعة قطعت طريق القرية فى ثانى أيام المولد،
ولكن الوحدة المحلية استطاعت فتح الطريق للعبور أمام الزوار.
وأشار أبوالصفا إلى أن السيول أدت إلى 3 حوادث سيارات أسفرت عن حالة
وفاة وإصابة 11 تلقوا العلاج المبدئى فى مستشفى القرية ثم نقلوا بسيارات
الإسعاف إلى مستشفى مرسى علم العام.
وفى يوم وقفة عرفات زار مقام الشاذلى شيخ الإسلام الدكتور محمد طاهر
القادرى الداعية الباكستانى الشهير، مؤسس منظمة منهاج القرآن العالمية،
وهى منظمة لها أكثر من 100 فرع فى العالم تعمل على نشر الإسلام والفكر
الصوفى، وحضر معه العشرات من تلاميذه.
وقال القادرى لـ«الوطن» إن «الشاذلى من أولياء الله الصالحين الذين
تشد إليهم الرحال»، وأوضح أنه رغم بعد المسافة من باكستان إلا أنه لم يشعر
بتعب الطريق لمحبته للشيخ.
وتزامنا مع مولد أبى الحسن الشاذلى رفعت نقطة الشرطة التابعة للقرية
الاستعداد إلى الدرجة القصوى أيام وليالى المولد، قال الضابط إسلام أحمد
على، رئيس نقطة شرطة الشاذلى، إنه «جرى توفير أكثر من 200 ضابط وأفراد شرطة
لخدمة ورعاية وتأمين زوار المولد»، وأوضح أن جهود الشرطة شملت تأمين جميع
شوارع ومساجد وساحات المولد، ونجحت فى فض نحو 7 مشاجرات كبرى بين الزوار،
وانتهت بالتصالح، كما حرر نحو 50 محضر اشتباه و100 محضر تسول، وعثر على 15
طفل تاهوا عن ذويهم فى المولد، كما عثر على سيدتين مسنتين بعد فقد أهلهما
لهما.
وأضاف أن جهود الشرطة نجحت فى تقليل خسائر البائعين الجائلين من
السيول، كما أنقذت نحو 20 سيدة وطفلا، ونجحت فى إنزال نحو 30 شخصا كانوا
على جبل حميثرة أثناء السيول التى لم تشهد المنطقة مثلها منذ أكثر من 13
عاما.
ورصدت «الوطن» شكاوى جماعية من رواد المولد من سوء العناية الطبية
المقدمة لهم، وقال عبدالرحيم أحمد محمد أحد رواد المولد سنويا، إن مشاجرة
حدثت بين الزوار والأطباء لامتناعهم عن علاج أحد المصابين بحجة إصابة
الأطباء بالتعب والإرهاق، مما كان سيؤدى إلى مشاحنة كبرى لولا تدخل رئيس
قرية الشاذلى وأجبر الأطباء على تقديم الخدمات العلاجية.
وتوجهت «الوطن» إلى الوحدة العلاجية التى وجدتها بلا أطباء ولا يوجد
إلا ممرضان فقط، وقال تامر السيد محمد أحمد مساعد أخصائى خدمات إسعافية،
إن الطبيب الموجود توجه مع مريض إلى مستشفى مرسى علم العام، ولا يوجد بديل
له.
<blockquote>«الحاجة زكية» ناشدت المحافظ حتى مهد الطريق إلى «الضريح».. ولما توفيت دفنت إلى جواره </blockquote>
وأوضح السيد أن قوة الوحدة أثناء المولد تضم 3 أطباء ممارسين عامين، و2
أسنان و2 صيادلة و4 مساعدين أخصائيين، وممرضين، و4 سائقى إسعاف بسيارات
مجهزة، وفى الأيام العادية يوجد طبيب عام ممارس وممرض وسائق عربة إسعاف.
وأشار إلى أن الخدمات العلاجية التى قدمت أثناء المولد قدمت لنحو
2700 مريض، تمثلت حالاتهم فى حالات طوارئ وحوادث طرق وأزمات قلب وسكر.
وأكد «السيد» أن أكبر مشكلة يواجهها الأطباء هى عدم وجود اتصالات،
فإذا أصيب أحد أو حدثت حادثة يبلغ بها الأطباء شفويا حتى حوادث الطريق الذى
يمتد نحو 110 كيلومترات دون اتصالات نهائيا.
ينتهى مولد الشاذلى رسميا بصلاة العيد، حيث يشد الزوار الرحال إلى
بلادهم، فى رحلة روحية يدعون أنها تغسلهم من دنس عام كامل وتعطيهم القوة
على إكمال عام آخر حتى موعد المولد، متمنين العودة واضعين الأحجار فوق
بعضها على حميثرة أملا فى ذلك.