النية .. حقيقتها وأثرها
الحمد لله العالم بالخفيات، المطلع على الضمائر والنيات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد المبعوث بالآيات المحكمات، والبراهين الواضحات، وعلى آله وأصحابه ومن استنّ بسنته من البريات، أما بعد..
فإن النية هي علم القلب وأساس العمل والباعث عليه والداعي إلى الدوام عليه، فصلاحها صلاح للعمل وسبب من أسباب توفيق الله عز وجل؛ لهذا كان جهاد النفس على صلاح النية، وسلامة الطوية من أوسع وأشق ميادين الجهاد عند العالمين بهذا الشأن؛ لما يترتب على صلاح النية وسلامة الصدر من الخير في العاجل والآجل في الدنيا والآخرة.
والنية شرعًا: قصد العمل المشروع والمباح والعزم على فعل العبادات تقربًا إلى الله عز وجل، وعلى هدي النبي المرسل صلى الله عليه وسلم، وتلك هي النية الصالحة فإنها تجمع ثلاثة أمور:
الأول: قصد العمل والعزم على فعله، فإن العمل غير المقصود ليس شيئًا ولا معتبرًا في ميزان الشرع.
الثاني: أن يكون المقصود بالعمل القربة والثواب في الآخرة، وذلك بإخلاصه لله تعالى والحذر من الرياء والسمعة.
الثالث: أن يقصد أداء العمل على الكيفية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتحقق أداء العمل الشرعي الذي يتقرب به إلى الله تعالى على السُّنَّة، فيكون مبنيًّا على قواعد الشرع وأسباب القبول وهي الرضا بالله تعالى ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا رسولاً.
ومن رضي بذلك كان حقًّا على الله تعالى أن يرضيه ويجزل مثوبته، قال الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112]. وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]. وقال سبحانه وتعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى».
ومن فضائل النية الصالحة:
- أنها عمارة دائمة للقلب بطاعة الله تعالى.
- أنها لا يدخلها الرياء.
- أن من نوى شيئًا من العمل الصالح وعُرض له ما يشغله عنه، كتب له ما نوى.
- أنها تميز بين العبادات والعادات، وإذا اقترنت بالعادات المباحة صارت عبادات وأعمالاً صالحة يُثاب عليها.
- وأنها تميز بين العبادات بعضها من بعض، فلكل عبادة نية خاصة بها، وتميز بين الفرائض بعضها من بعض، وتميز بين الفرائض والنوافل.. إلى غير ذلك مما لها من الأثر، فينبغي للعبد أن يعتني بنية الخير فيما يأتي وما يذر؛ فإن حظّه من الأجر بحسب حظه من الإخلاص ومراعاة السُّنَّة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[center]